سؤالي هو: هل يوجد ثواب بالستر على زانية تائبة، أي الزواج منها؛ لكي أستر عليها؟
هل من ثواب في الآخرة للستر على زانية تائبة، يعني إن تزوجتها وسترت سرها. هل يوجد ثواب من رب العالمين لي؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا تابت الزانية من الزنا، جاز الزواج منها بعد استبراء رحمها، .
ومن تزوجها بنية الستر عليها، فقد أتى قربة من القربات، فيؤجر بها عند الله تعالى.
ومن ثواب الستر أن يجازى بمثله يوم القيامة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة..... الحديث.
وتعرف قيمة ستر الله على العبد بإدراك خطورة الفضيحة في الدنيا والآخرة، ومما يدل على ذلك ما رواه الترمذي عن ابن عمر -رضي اله عنهما- قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. وهذا فيما يتعلق بفضيحة الدنيا، وأعظم منها فضيحة الآخرة.
لا شك أن ستر المسلم الذي غلبته نفسه فوقع في المعصية ، فلم يجاهر بها ، وإنما بادر بالتوبة وأقبل عليها : من فضائل الأعمال ومحاسنها التي جاءت الشريعة بالحث عليها والترغيب فيها .
روى مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" السَّتْر الْمَنْدُوب إِلَيْهِ هُنَا : الْمُرَاد بِهِ السَّتْر عَلَى ذَوِي الْهَيْئَات وَنَحْوهمْ ، مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَاد ، فَأَمَّا الْمَعْرُوف بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُسْتَر عَلَيْهِ , بَلْ تُرْفَع قَضِيَّته إِلَى وَلِيّ الْأَمْر ، إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَة ; لِأَنَّ السَّتْر عَلَى هَذَا يُطْمِعهُ فِي الْإِيذَاء وَالْفَسَاد , وَانْتَهَاك الْحُرُمَات , وَجَسَارَة غَيْره عَلَى مِثْل فِعْله .
هَذَا كُلّه فِي سَتْر مَعْصِيَة وَقَعَتْ وَانْقَضَتْ , وَأَمَّا مَعْصِيَة رَآهُ عَلَيْهَا , وَهُوَ بَعْد مُتَلَبِّس بِهَا , فَتَجِب الْمُبَادَرَة بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ , وَمَنْعه مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ , وَلَا يَحِلّ تَأْخِيرهَا ، فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعهَا إِلَى وَلِيّ الْأَمْر إِذَا لَمْ تَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة " انتهى .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" من عمل ذنباً كالزنا، وشرب الخمر، وأخفى ذلك ، فالأولى نصحه وتحذيره ، فإن علم منه الندم والتوبة ، والصدق في ذلك ، فعليك الستر عليه ، فإن علم منه الكذب والتمادي في هذا الجزم ، سيما إذا كان ضرره متعدياً فلا يجوز الستر عليه " .
انتهى من "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (10/ 11) بترقيم الشاملة .
ثانيا :
كل ما كان في معنى الستر على المسلم المستتر ، التائب من ذنبه ، غير المجاهر : من كتمان أمره عن الناس ، والذب عنه في غيبته ، والثناء عليه في المجالس ، وإحاطته بالنصح ، وحثه على فعل الصالحات ، وتصحيح التوبة وتجديدها : داخل في معنى الستر الوارد في الحديث المتقدم وما في معناه .
ولا شك أن زواجك بقريبتك - حيث تابت وأحسنت - تبتغي بذلك سترها وإعفافها: داخل في معنى الستر الوارد في الحديث ، وزواجك بها يستتبع ما هو دون ذلك من معاني الستر المندوب إليها ، وزيادة على ذلك : إعالتها ، وكفايتها ، والقيام على أمرها ، وإعفافها ، وقطع داعية النفوس عن التطلع إلى الحرام .
سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
أنا شاب تزوجت بامرأة ، ولما دخلت بها لم أجدها بكرا ، فظلت تبكي بعدها، وسردت لي كثيراً من الحكايات عن هذا الموضوع التي تبرر فعلتها، فأخذت على نفسي عهداً أن أسترها أبغي الأجر والثواب من الله ، ولكن الآن أنا في حيرة من أمري .
هل ستلتزم بعد ما سترها الله ، أم تتمادى في أفعالها ؟
وهل هي صادقة معي أم لا ؟
وهل إذا طلقتها أكون قد ظلمتها ؟ وهل أخبر أهلها ؟
فأجاب :
" لك أن تسترها إذا رأيت أن كلامها مقنع ، وأنها ستكف عن فعلها، ولا تعود إلى فعل الفاحشة، وأن سترها فيه خير، فمن ستر مسلماً ستره الله ، ولعلك في إمساكها تعفها عن الحرام ، وتقوم بحاجتها، وتكون لك زوجة صالحة ، فإن ظهر لك أنها غير عفيفة ، ورأيت منها التطلع إلى الرجال ، والاتصالات المشبوهة ، والمكالمات والمعاكسات ، فالطلاق والفراق أولى بك ، حفاظاً على فراشك " .
ومنها ما جاء في أمر الغلول، في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... {آل عمران:161}.
وفي تفسير معاني التنزيل للخازن: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ـ يعني بالشيء الذي غله بعينه، يحمله على ظهره يوم القيامة؛ ليزداد فضيحة بما يحمله يوم القيامة..... اهـ.
وهذا يوضحه ما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر... الحديث.
والله أعلم.
ساهم فى نشر الموضوع ليكون صدقة جارية لك.
رابط الموضوع:
لاضافة الموضوع في مدونتك او المنتدى:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق