هام

بعد إغلاق قناتنا على يوتيوب بسبب تناول الحرب في غزة والتى كانت تحتوى على أكثر من 2 مليون مشترك نؤكد أننا نواصل دعم القضية الفلسطينية حيث يتعرض قطاع غزة لحملة همجية وعسكرية شرسة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وبصورة ترسل عنوانا واضحا لهذه الهجمة أن هذه الهجمة تهدف لتدمير قطاع غزة كليا وتفريغه من سكانه.
مدير الموقع : مفاجاة لمتابعينا ..سيتم انشاء قسم خاص بعظماء الجزائر انتاج مرئي وثائقي وبيان كيفية نهوض هذا الشعب بعد 120 سنة من الإحتلال والظلم والقهر فانتظرونا في عمل سيكون الأول من نوعه ...

صفحتنا على الفيس

الله اله واحد


إن الدارس لهذا الكون , يرى أن فيه وحدة, تدل دلالة كاملة على أن ذاتا واحدة بعلم واحد وإرادة واحدة وقدرة واحدة قد أوجدته, ومظاهر هذه الوحدة كثيرة منها:
1- التكامل في أجزاء هذا الوجود الذي يدلنا بدقة على أن خالقا واحدا قد رتب أجزاءه هذا الترتيب الدقيق المتكامل, يقول الأستاذ البنا رحمه الله:
الملاحظة الأولى: هذا الهواء الذي نستنشقه مركب من عدة عناصر منها جزءان هامان: جزء صالح لتنفس الإنسان ويسمى باصطلاح الكيميائين الأوكسجين وجزء ضار به ويسمى الكربون, فمن دقائق الارتباط بين وحدات هذا الوجود المعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفسه النبات وهو نافع له, ففي الوقت الذي يكون الإنسان فيه يستنشق الأوكسجين ويطرد الكربون, يكون النبات يعمل عكس هذه العملية فيستنشق الكربون ويطرد الأوكسجين.
وتتم عملية إيجاد التوازن بين الصادر والوارد من غاز الفحم (البحر) , فإنه يمتص كل زيادة موجودة في الجو إذا بلغت هذه الزيادة فوق الحد المناسب.
فانظر إلى الرابطة التعاونية التكاملية بين الإنسان والنبات والبحر في شيء هو أهم عناصر الحياة وهو التنفس.

الملاحظة الثانية: أنت تأكل الطعام وهو يتركب من عدة عناصر نباتية أو حيوانية, يقسمها العلماء إلى مواد زلالية ونشوية ودهنية مثلا, فترى أن الريق يهضم بعض المواد النشوية ويذيب المواد السكرية ونحوها مما يقبل الذوبان, والمعدة يهضم عصيرها المواد الزلالية كاللحم وغيره, والصفراء المفرزة من الكبد تهضم الدهنيات وتجزئها إلى أجزاء دقيقة يمكن امتصاصها, ثم يأتي البنكرياس بعد ذلك, فيفرز أربع عصارات تتولى كل واحدة منها تتميم الهضم في عنصر من العناصر الثلاثة النشوية أو الزلالية أو الدهنية, والرابعة تحول اللبن إلى جبن, فتأمل هذا الارتباط العجيب بين عناصر الجسم البشري وعناصر النبات والحيوان والأغذية التي يتغذى بها الإنسان.

الملاحظة الثالثة: ترى الزهرة في النبات, فترى لها أوراقا جميلة جذابة, ملونة بألوان مبهجة فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأن هذا إغواء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتص رحيق الأزهار, لتسقط على الزهرة وحتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها, وانتقلت بذلك من الزهرة الذكر إلى الزهرة الأنثى فيتم التلقيح, فانظر كيف جعلت هذه الأوراق الجميلة في الزهرة حلقة اتصال بين النبات والحيوان؛ حتى يستخدم النبات الحيوان في عملية التلقيح الضرورية للإثمار والإنتاج.
هذا التكامل تجده في كل شيء بين الليل والنهار, السماء والأرض, الشمس والقمر, الأعضاء المذكرة والأعضاء المؤنثة والإنسان والحيوان والنبات.

إن في هذا الكون وحدة مظهرها تكامل أجزائه تدل على أن لها خالقا وأنه واحد. أما لم دلنا هذا على الوحدانية؟ يجيب على هذا الأستاذ البنا فيقول: (إن التعدد مدعاة الفساد والخلاف والعلو ولا سيما شأن الألوهية الكبرياء والعظمة, وأيضا فلو استقل أحد المتعددين بالتصرف تعطلت صفات الآخرين, ولو اشتركوا تعطلت بعض صفات كل منهم, وتعطيل صفات الألوهية يتنافى مع جلالها وعظمتها فلا بد أن يكون الإله واحدا لا رب غيره) وقد ذكر القرآن دليل التكامل ودلالته على الخالق ووحدانيته في أكثر من سورة:
قال تعالى: "قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" النمل : 59-64.

"أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ* لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ* أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" الأنبياء : 21-25.

"قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ* بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" المؤمنون : 84-92 .

"قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً* سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا" الإسراء : 42-43.

2- ومن مظاهر هذه الوحدة في الكون, ذلك التناسق والترتيب الذي ذكره الله في القرآن بقوله تعالى: "مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ" الملك : 3-4

وهذه أمثلة من هذا الكون تدلك على هذه الوحدة الشاملة المتناسقة فيه:
1- إن الإلكترون يدور على عكس عقارب الساعة, والأرض تدول على عكس عقارب الساعة, والشمس تدور على عكس عقارب الساعة, والكواكب السيارة تدور على عكس عقارب الساعة, والقمر وكل الأقمار تدور على عكس عقارب الساعة, والنجوم كلها تدور عل عكس عقارب الساعة, ومجرتنا التي تضم بين أجزائها مجموعتنا الشمسية تدور على عكس عقارب الساعة, والإلكترون يدور على مدار بيضوي إهليجي والأرض تدور حول الشمس على مدار بيضاوي إهليجي, وكذلك الزهرة ونبتون والمشتري والكواكب السيارة, ومحور الأرض مائل. ومحور القمر مائل, ومحور المريخ مائل. ومحور الشمس مائل. والعجيب أن النسبة بين النوات وإلكتروناتها كالنسبة بين الشمس وكواكبها السيارة.

2- إن ذرات الوجود كلها تقوم على الزوجية, كهرباء سالبة وكهرباء موجبة, فإذا ارتقينا إلى النبات وجدنا عنصر الزوجية, فإلى الحيوان كذلك, فإلى الإنسان كذلك وحتى في الأحياء المخنثة توجد أعضاء ذكرية وأخرى أنثوية قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ" يس : 36 وفي الأرض نفس العناصر التي تؤلف الشمس, ونفس العناصر التي تؤلف كل الكواكب, والكون بكل عناصره مؤلف من بروتونات وإلكترونات كعناصر أساسية, وهناك نيترونات كشحنات كهربائية معتدلة تكون في نواة معظم العناصر.

3- في هذا الكون قوة ومنابع قدرة, وتحكمه قوانين, وإنك لتجد أدق معاني التناسق والوحدة بين هذه القوى والقوانين, كمثال:
من منابع القوة والقدرة في هذا الكون: الضوء والحرارة والأشعة السينية, والأشعة اللاسلكية, والأشعة البنفسجية, وتحت الحمراء, هذه القوى كلها ترجع إلى شيء واحد هو تلك القوة الكهربائية المغناطيسية ولها جميعا سرعة واحدة وإنما اختلافها اختلاف موجة.
ومن قوانين هذا الكون, قانون الجاذبية الذي يحكم الوجود كله من أصغر ذراته إلى أكبر أجرامه, والذي نصه: كل شيء له كتلة يجذب كل شيء آخر له كتلة, وقوة التجاذب التي بينهما تزداد ازديادا طرديا بزيادة أي الكتلتين, فالقوة تتناسب تناسبا عكسيا مع مربع البعد بينهما. والآن عرفنا أن هناك قوتين أو نوعين من القوى؛ القوة المغناطيسية الكهربائية وقوى الجاذبية وكلها ترجع إلى أصل واحد.
يقول أينيشتاين: (إن روح العالم النظري لا تحتمل أن يكون في الوجود شكلان لقوى لا يلتقيان شكل للجاذبية القياسية, وشكل للمغناطيسية الكهربائية)

4- وهاتان قصتان تدلا على التناسق أولا, وفي التشابه بينهما دليل على الوحدة الكونية:
الأولى: إن لاختلاف العناصر الأصلية في هذا الكون, أثر عند اختلاف عدد إلكتروناتها وبروتوناتها , والوزن الذري أثر من آثار هذا العدد , وخواص كل عنصر أثر من آثار هذا العدد, وقد استطاع العالم الروسي مندليف أن يصنف العناصر بحسب وزنها الذري ووضع لها جدولا على هذا الأساس وكان ترتيب العناصر متدرجا صاعدا, ولكن مندليف فوجئ بفراغ كالفراغ الذي سنذكره بين المريخ والمشتري.
إذ أنه وجد أن درجات السلم الدوري للعناصر تطرد بتتابع لا فراغ فيه, إلا في ثلاثة عناصر, فإما أن يكون هذا القانون الدوري غير مطرد وغير صحيح, وإما أن يكون صحيحا ومطردا, فلا بد حينئذ من وجود هذه العناصر المفقودة في نفس تلك الدرجات الفارغة, وكان مندليف واثقا من صحة قانونه الدوري, فأخذ يؤكد أن هذه العناصر الثلاثة المفقودة لا بد من وجودها على الأرض, بل إنه استطاع على أساس وزنها الذري الذي يأتي في الدرجات الفارغة أن يحدد كل الخواص الكيميائية التي لها كأنه يراها, وقد رأى مندليف قبل موته صحة نظريته العلمية, واكتشف العلماء العناصر المفقودة بكل خصائصها كما حددها مندليف.

الثانية: أقرب الكواكب إلى الشمس عطارد وبعد 36 مليون ميل, فالزهرة ومتوسط بعدها 67 مليونا, فالأرض 93 مليونا, 6فالمريخ 142, فالمشتري 484 مليونا فزحل 887 مليونا فأورانوس 1782 مليونا, فنبتون 2792 مليونا من الأميال, ويهمنا أن نعرف النسبة في هذه الأعداد. إن أبعاد هذه السيارات عن الشمس جارية على نسب مقدرة ومطردة تسير وفق 9 منازل: أولها الصفر, ثم تليه ثمانية أعداد تبدأ بالعدد 3, ثم تتدرج متضاعفة هكذا 2-6-12-24-48-96-192-384 فإذا أضيف إلى كل واحد منها العدد 4 ثم ضرب حاصل الجمع بتسعة ملايين ميل, ظهر مقدار بعد السيارة التي في منزلة العدد عن الشمس؛ أي أنه بإضافة 4 إلى كل منزلة تصبح المنازل التسع هكذا: 4-7-10-16-28-52-100-196-388 فإذا أخذنا أعداد المنازل هذه, وضربنا كل عدد منه بتسعة ملايين, يظهر لنا بعد السيارة التي هي في منزلة ذلك البعد عن الشمس؛ فعطارد مثلا يبلغ متوسط بعده عن الشمس 36 مليون ميل, وبما أن منزلته في البعد هي الأولى فيكون رقمه 4, فإذا ضربنا 4×9 يكون حاصل الضرب 36 مليون ميل, وهكذا تسير النسبة في بعد كل سيار عن الشمس مع فروق مختلفة قليلة.

ولكنهم وجدوا أن منزلة العدد (28) ليس فيها كوكب, بل تأتي بعد العدد 16 الذي صاحبه المريخ, العدد 52 الذي صاحبه المشتري, فما هو السر في هذا الفراغ؟ إما أن تكون النسبة التي اكتشفوها غير مطردة, وإما أن يكون هناك كوكب غير منظور في مرتبة العدد 28 على بعد 252 مليون ميل عن الشمس, أي بين المريخ والمشتري وأخيرا وجدوا هذا الشيء الذي لا بد من وجوده, ولكنهم لم يجدوه كوكبا كبيرا؛ بل وجدوا كويكبات صغيرة كثيرة تدور كلها في الفراغ المذكور الذي بين المريخ والمشتري, أي في نفس المنزلة التي حسبوها من قبل فارغة, فكأنه كوكب تحطم.
هاتان قصتان متشابهتان في قضيتين مختلفتين, كل واحدة منها تتمم الأخرى لتكملا عندك الشعور؛ بأن يدا واحدة قد خلقت قوانين هذا الوجود وعناصر وجزيئاته وكلياته.

وللنجوم قصة:
(فقد عرف الإنسان شيئا من مواقع النجوم, وعرف أن لها أقدارا ثابتة بحسب نورها وعددها. عدوا منها في الماضي البعيد ستة أقدار ووقفوا, ثم ما زالوا يكتشفون الجديد حتى وصلوا إلى القدر العشرين, ثم إلى القدر الحادي والعشرين, والعجيب في هذه الأقدار أنها تسير مترقية أو متدنية - بحسب عدد النجوم تارة, وبحسب قوة نورها أخرى – في نسب مدهشة تطرد في عدد النجوم, فتزداد تباعا من قدر إلى قدر, فيكون عدد نجوم القدر الأول 14 نجما, ثم لا يزال يزداد حتى يبلغ في القدر العشرين 76 مليون نجم, ويبلغ في القدر الحادي والعشرين ملياري نجم, أما في قوة النور فقد شوهد أن تلك الأقدار تزداد باطراد من القدر الأول إلى القدر العاشر, فكلما زاد عدد النجوم في القدر زادت قوة النور, وأما بعد العاشر فتنعكس الآية وتأخذ قوة النور في التضاؤل.

ومن مظاهر هذه الوحدة في هذا الكون اتصال أفق النبات بأفق الحيوان, واتصال أفق الحيوان بأفق الإنسان, فترى في عالم النبات تدرجا من أدنى إلى أعلى مع التشابه, وتجد أعلى آفاق النبات متصلا بأدنى آفاق الحيوان, وأعلى آفاق الحيوان متصلا _ نوع اتصال _ بأفق الإنسان, حتى حسب الحاسبون أن هناك بذرة أولى كان منها تطور وارتقاء حتى أصبحت الأحياء على ما هي عليه. وقد ناقشنا هذه النظرية وبينا بطلانها في ظاهرة الحياة, ولكن القول بها دليل على ما بيناه من أن في أحياء هذا الكون وترقياتها وحدة تدل على وحدة الصانع الذي خلقها أجناسا وأنواعا, وجعل بعضها أرقى من بعض: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم" الأنعام : 38

ومن مظاهر الوحدة في هذا الكون أن المادة كلها من نور, إذ أن عناصر المادة كلها تؤول إلى ذرات وكهارب, وأن هذه الذرات والكهارب تنشق فتؤول إلى شعاع.
ومن مظاهر الوحدة أنك تجد أن أجنة الحيوان والإنسان في الشهور الأولى من الحمل متشابهة تشابها تاما, فإذا بهذا التشابه يخرج منه ذلك الخلق المختلف.

وهذه المظاهر كلها تدل على التنسيق والترتيب, فإذا أضفنا إليها ظاهرة التكامل, عرفنا جزما أن ذاتا واحدة، بعلم واحد, بإرادة واحدة, بقدرة واحدة, هي صانعة هذا كله.
أما لم نسبنا هذا الوجود والوحدة فيه إلى خالق؟ ولم حكمنا أن هذا الخالق واحد؟ وما الرد على عباد الطبيعة؟ فهذا ما سيأتيك الجواب عنه في الفصول الثلاثة التالية بالتفصيل:
1- السببية
2- الطبيعة
3- التوحيد
وهذه الفصول الثلاثة منقولة من كتاب الوجود الحق للدكتور حسن هويدي.
وإنما وقفنا عند هذه الموضوعات الثلاثة هذه الوقفة, لأن أعظم صراعات الإسلام المعاصرة, صراعه مع الماديين الذين ينكرون قانون السببية في حق الكون, ويعللون لحوادث الكون بأنها فعل الطبيعة, والصراع الضخم الآخر صراع الإسلام مع القائلين بالتعدد كالنصارى القائلين بالتثليث والمجوس القائلين بالثنوية والمشركين عموما, وللتأكيد على السببية وعلى دحض فكرة الطبيعة وعلى تعميق التوحيد نذكر فصلا رابعا نجعله تحت عنوان عود على بدء للشيخ سعيد النورسي.

1- السببية
منذ امتياز هذا الإنسان بالإدراك وإشراق أشعة عقله على الوجود, تساءل ولا يزال عن مبدئه ومنتهاه, فهو يتساءل من أين أتى وإلى أين يصير؟ وهو إذ ينصرف فكره إلى أن وروده المباشر إلى هذا العالم؛ إنما كان من رحم أمه, أو من نطفة أبيه, لا يقتنع بهذه النظرة السطحية القريبة, دون النظر إلى المبدأ الأول, والبحث عن السبب الأساسي الذي ترجع إليه جميع الأسباب.

ولهذا الدافع العميق الممتزج بالنفس البشرية, والذي ولد معها, وما زال يلازمها, كان الجواب على هذا السؤال شغل المحققين الشاغل؛ فنشأت أحكام مختلفة, ونظريات متباينة وكان منهم مخطئ ومصيب. غير أننا إذا نظرنا إلى ما بين أيدينا من السماء والأرض؛ نرى أن المطر ينهمر من سحاب, وأن الثمر يحصل من شجر, وأن الشجر ينبت من الماء والتراب, وأن الماء ينشأ من عنصر الأوكسجين والهيدروجين ولم يشاهد الإنسان منذ فتح عينيه على الوجود أن حادثا حدث من غير سبب, أو أن شيئا وجد من غير موجد, حتى أضحى هذا المعنى بحكم الواقع القاهر لا يتصور العقل خلافه ولا يطمئن إلى غيره, ولا يأبى الإقرار به إلا عقل مريض شأن المعتوهين, أو عقل قاصر شأن الطفل الذي يكسر الإناء ثم يقول: إنه انكسر بنفسه؛ ولذلك وجدنا ذلك العربي قد أدرك هذه السببية بفطرته النقية فنادى نداءه المشهور: البعرة تدل على البعير, والأثر يدل على المسير, ليل داج, ونهار ساج, وسماء ذات أبراج, أفلا تدل على الصانع الخبير.

لهذا الواقع الصريح , والإدراك القاهر , وجريان الحوادث أبدا على هذا القانون أضحى هذا المبدأ مسلما به في كتب الفلسفة, وسمي بمبدأ السببية وهو أول مبادئ العقل المديرة للمعرفة, لأنه أساس الأحكام العقلية والمحاكمات المنطقية, ولو التفت إلى كلماتك التي تخاطب بها الناس صباح مساء, والأحكام التي تنظم بها شؤون حياتك, لوجدتها لا تخلو في أي مرحلة من المراحل من الاستناد إلى مبدأ السببية.

إذا, فقولنا: لا بد لكل حادث من محدث أمر يقيني مسلم به ولا يقبل العقل غيره, وبالتالي محال على حادث أن يحدث بذاته, وعلى شيء أن يوجد بغير موجد, وإليه الإشارة في القرآن الكريم "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" الطور : 35

نقول بناء على هذه القاعدة: إن عالمنا هذا من أرض وجبال, وشجر ودواء وكواكب وشموس, لا بد له من محدث, وإن هذه الحوادث الفرعية الكثيرة, مندفعة عن أسباب, وهذه الأسباب مندفعة عنه أسباب أخرى أقل من الأولى, ولا بد أن نصل بالنتيجة إلى سبب لجميع هذه المسببات, ومحدث لجميع هذه الحادثات, لأننا كلما رجعنا إلى الأصل الذي اندفعت عنه المسببات, قلت العوامل الدافعة, حتى نصل أخيرا إلى مسبب واحد. كنظرك إلى أغصان الشجرة المتعددة المتشابكة, فكلما ذهبت تبحث عن أسبابها, ذهبت إلى قليل من كثير, حتى تنتهي إلى ساق واحدة, وإنك تجد لهذه أمثلة كثيرة, هي من الظهور بمكان لا تحتاج معه إلى الوقوف الطويل وضرب الأمثال.

إذا, فإنكار محدث للحوادث, وموجد للوجود, تناقض مع العقل, وإقامة على الخطأ, ولعله لهذا الإلزام المنطقي الذي لا مناص منه, سماه ابن سينا بالواجب الوجود, حفاظا على حرمة العقل من أن يوصم بالتخليط والتناقض, أو البلاهة والتبلد إذ يستحيل أن ينبثق الوجود من العدم.
هذا وإن قدم المبدأ, أو قول كثيرين به, أو ظهوره بمظهر البديهية لا يقضي عليه ولا يخرجه من الحق إلى الباطل, ما دام العقل يمليه, والواقع يؤيده, إلا إذا كان الداعي إلى الإنكار, استكبارا على كل قديم, أو عقوقا للمنطق السليم, أو جريا مع كل هوى سقيم, شأن الحمقى والمرضى والمغرورين.

وقد يقول قائل: إن هذا المحدث لجميع الحوادث هو الطبيعة, وسيأتي الكلام على الطبيعة, أو يقول: إذا أقررنا بوجود الخالق, فمن الذي أوجد الخالق؟ وسيأتي تفصيل ذلك.
والذي نريد أن نخلص إليه الآن واضحا مجزوما به: لا بد لكل حادث من محدث, إذن فلا بد لهذا العالم من خالق.

هنا قد يثير بعض النقاد قضية قدم العالم وحدوثه, فيقول: إن هذه القاعدة تستقيم إذا سلمنا بحدوث العالم ولم نقل بقدمه.
ونقول: إن البرهان ملزم بالقول بحدوث العالم ونفي قدمه, فقد قال الإمام الغزالي بناء على ملاحظة الحركة والسكون: إن دورة من الفلك: إما أن تكون شفعا أو وترا فإن كانت شفعا فقد أتمت عددا فرديا, وإن كانت وترا فقد أتمت عددا زوجيا, إذن فالعدد السابق على كلا الحالين محدود, ولما كان محدودا فهو حادث قطعا ولو استمر الناقد فقال: إن أصل العالم (هيولاه) قديم, والحركة طارئة, قلنا له: من أين طرأت الحركة به, فهو إذن إقرار منه صريح بوجود مرجح آخر أثر على العالم بإيجاد الحركة, بل هو استعجال فاصل للإقرار بوجود خالق للعالم, فالناقد بين أمرين: إما أن يرجع إلى قولنا بالحدوث فيعترف بالخالق, أو أن يقر بوجود المرجح وهو اعتراف بالخالق, إذن, فنقد الناقد واه لم يصل إلى القرارة ولم يثبت للنقد, والقول بقدم العالم باطل لا يسنده برهان, وهكذا تنهار المادية الجدلية التي تقول بقدم العالم, هربا من الإقرار بوجود خالق للعالم, وتفلتا من البرهان الملزم, والدليل القطعي.

وقد تستغرب قولي بانهيارها بهذه السرعة, ولكني أقول: إن عقدا من النظام لو بلغ ألف حبة, لانفرط كله بحل العقدة الأولى. وإن لم ترد ذلك, فاحذف من المادية الجدلية كل ما بني على أساس قدم العالم من الأحكام, فأول حكم تهدمه من أحكامها الأساسية إلحادها في الخالق, وعند القول بخالق الوجود؛ تنشأ أحكام أخرى تهدم أحكامها الفرعية كما سترى, دون أن يكون البحث موجها إلى الفروع خاصة, ولكن بروز الحقيقة في الأصل يهدم بصورة عفوية كل باطل فرعي.

2- الطبيعة
بعد ما تبين لك, بما لا يقبل الشك, وجود الخالق الأول, وأنه الكامل المطلق, وأن السؤال عن خالق الكمال المطلق لا يصح, وتبددت أمامك تلك الشبهات, بقيت شبهة من شبهات العصر, وضلالة أخرى من ضلالته, وهي كما سيظهر لك مصطنعة كما تصطنع الأصنام, مخيمة على الأحلام كما تخيم الأوهام, ولكنها بكل أسف, مع اصطناعها هذا وعدم استنادها إلى أساس, نجدها مسيطرة على عقول كثير ممن يدعون الثقافة والمعرفة, وقد انطلت عليهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتمحيص. تلك الشبهة هي الطبيعة, إله العصر المزعوم.
حينما تبادر أحد الطبيعين بالقول:
من خلق السماوات والأرض؟ يقول لك: الطبيعة
من خلق النبات والحيوان؟ يقول لك: الطبيعة
من خلق الإنسان؟ يقول لك: الطبيعة
من يدبر جميع هذه الأمور الفلكية, والحيوية والغريزية, وكل بحساب دقيق ونظام لا يحيد, فسيقول لك: الطبيعة.
وهو يتذرع لك بهذا السبب لأنه لا يستطيع أن يقول لك: إنها تحدث بذاتها, أو من تلقاء نفسها, وينكر قانون السببية, فهو أصاب حين أقر بالسببية, وأخطأ حين جهل السبب, وليس شأننا حين البحث في هذا الأمر أن نكتفي بالتسفيه والتشنيع, ولكننا نناقش الأمر من جميع الوجوه, فما كان من حق أقررناه, وما كان من باطل فندناه, والعاقل الذي يصيخ إلى المنطق, والجاهل الذي يتبع هواه, ويقيم على الباطل ولو تبين له الحق.
فما هي الطبيعة؟ وما هي مفاهيمها؟ وما هي حقيقة تأثيرها؟

الطبيعة في اللغة: السجية والخلق. غير أن للطبيعة اليوم في عقول الناس حسب تفاوتهم مفهومين:

المفهوم الأول: إنها عبارة عن الأشياء ذاتها فالجماد والنبات والحيوان, كل هذه الكائنات هي الطبيعة, وهو مفهوم غير دقيق, وحكم غير سديد كما سيتبين لك.

المفهوم الثاني: إنها عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها؛ فهذه الصفات: من حرارة وبرودة, ورطوبة ويبوسة, وملاسة وخشونة, وهذه القابليات: من حركة وسكون, ونمو واغتذاء, وتزاوج وتوالد, كل هذه الصفات و القابليات هي الطبيعة.
وسواء أكان القول الأول أو القول الثاني هو المعبر عن الطبيعة بحق, فما نصيب هذا القول من الحق؟

أما القول الحق: فلا يخرج بالطبيعة بالنسبة لخلق الوجود عن تفسير الماء بالماء, فالأرض خلقت الأرض, والسماء خلقت السماء, والأصناف صنفت نفسها, والأشياء أوجدت ذاتها, فهي الحادث والمحدث, وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته, وبطلان هذا القول بين, فهو إما إدعاء بأن الشيء وجد بذاته عن غير سبب وقد تبين لك فساده بقانون السببية وإما إدماج الخالق والمخلوق في كائن واحد, فالسبب عين المسبب وهو مستحيل؛ بل هو من التهافت والتناقض بحيث لا يحتاج إلى الوقوف والشرح.

وأما القول الثاني: وهو الاعتماد على قابليات الأشياء وخصائصها في التكوين, فنقول فيه: الحقيقة إن الذي يعزون الخلق إلى تلك القابليات والخصائص, لا يعدون عن كونهم وصافين لتلك الظواهر، لا يعرفون كنهها, ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقتها, ولو فعلوا ذلك لوجدوا أن القابلية التي اعتمدوا عليها في خلق الشيء سراب خادع يحسبه الظمآن ماء, حتى إذا جاء إليه لم يجده شيئا, ولإيضاح ذلك بالطريق العلمي نضرب المثال التالي:
نضع حبة في التراب, ونسقيها بالماء فتنتفخ, وتنفلق, فيظهر منها الرشيم, ويندفع منه الجذر إلى الأسفل, والساق إلى الأعلى, وتنشأ الأوراق فالأزهار فالثمار, وتكون الحبة قد أنتجت تفاحة مثلا.

فالقابلية التي كانت في الحبة هي الانتفاخ ثم الانفلاق ثم ظهور الرشيم. ولولا هذه القابليات المتوالية لما اطردت تلك الظواهر الحيوية, ولما نشأت عنها الثمرة. فلنأت إلى هذه القابلية بالذات نبحث عن حقيقتها: لو لم تنتفخ الحبة وتنفلق لما نشأ شيء. فمن الذي نفخها وفلقها؟ لو كان للحبة عقل وتدبير لقلنا: إن عقلها هو الذي هيا لها ذلك, ولو أن الماء هو الذي نفخها وفلقها, لأمكن للماء أن ينفخ في الحديد ويفلقه, إذن فلا بد من مؤثر وقبول لتأثير ذلك المؤثر, وإذا كانت الحبة بذاتها جدلا انتفخت وانفلقت, فلماذا لم تجمد وتضمر بدلا من أن تنتفخ وتنمو؟ ولكي يحصل التكاثر والبقاء, يحتاج الأمر إلى عقل وإدراك, ومنهاج مرسوم من قبل تلك البذرة, والبذرة لا تملك شيئا من ذلك! فكيف حصلت إذن ثمرة بعينها, بل كيف حصلت ثمار كثيرة متنوعة, وكيف كمنت الغاية المعينة والصفات المقصودة في صميم كل بذرة منها؟
والحقيقة أن من أنعم النظر في تعبير الطبيعين المستندين إلى القابلية: طبع النبات على ذلك, انتفخت الحبة, وانفلقت, وتوالدت الخلايا, تميل الخلية الحية إلى الانقسام؛ يجد أنها جميعها أفعال مبنية للمجهول لجهل الفاعل الحقيقي, فكأن الطبيعي أغمض العين عن السبب الحقيقي, وبنى الفعل للمجهول تخلصا. فمن الذي نفخ الحبة؟ ومن الذي فلقها؟ ومن الذي أدى إلى التوالد؟ ومن الذي جبل الخلية على الانقسام؟ كل هذا التحقيق لا تصل إليه نظرة الطبيعين القصيرة بل المقتصرة على وصف الظواهر, دون الذهاب إلى أسبابها, بل المخطئة في جعل الصفة المنفعلة سببا فاعلا, والقابلية مؤثرا, والظاهرة المجهولة عاملا مكون, فالانتفاخ صفة, نشأت عن المؤثر الخارج عن الشيء, وعن قبول أثره في ذلك الشيء. والانفلاق صفة, والامتداد صفة.

وما زاد الطبيعي على أن جعل من مجموع هذه الصفات مفهوما مركبا, سماه قابلية التوالد والنمو. فجعل من القابلية التي هي عرض من أعراض الشيء سببا في الخلق, ومن الصفة الانفعالية التي لا تعي ولا تدرك, سببا فاعلا واعيا في تكوين الأشياء! إذن فمن الذي ركز الطبيعة في العناصر؟ ومن الذي نوع تلك الطبائع؟ إن بذرة الأجاص, وبذرة المشمش, حين توضعان في التراب تنتج كل واحدة منهما ثمرا يختلف عن الآخر, بلونه وطعمه, ورائحته, مع أنه يسقى بماء واحد, ومع اتفاقنا على أنه ليس للبذرة عقل, ولا لجذر الشجرة إدراك, فكيف كان الجذر يمتص الماء, ويصطفي ذرات بعينها, وينضح النسغ ويسوقه إلى الثمر, ويكون العصارة, وينشئ الحلاوة؟! كل ذلك يجعلنا نسأل عن السبب, ولا نقف عند المجهول, ولا نكتفي بوصف الظواهر, بل لا نصف هذه الظواهر خطأ بأنها أسباب الخلق الحقيقية, ونحن نعلم أن القابلية ليست إلا صفة من صفات الشيء فكيف تختلقه؟ وأن الحبة بالنسبة للنبات جماد لا يعقل؛ فكيف تنوعه؟ وإذا لاحظت أننا مجبرون بحكم هذه النظرة إلى طبائع الأشياء, أن نسأل عن حقيقة تلك الطبيعة, وعمن طبع الأشياء عليها, وكيف تؤثر؟ وهل تبدع أم تصنف وتركب, وهل هي فاعلة بذاتها, أم منفعلة لغيرها؟ أدركت أن الطبيعين قد نقلونا من مجهول واحد إلى مجاهيل كثيرة, ومن الأصل الحاسم إلى الفروع التي لا تحسم الأمر, فبينما كنا نسأل عن خالق الحبة وفالق النواة, انتقلنا بتلك النظرة القصيرة المتجاهلة إلى صفات انفعالية ليس لها من القدرة على الخلق نصيب, ولولا قصر النظر عند الطبيعيين على هذه الأسباب الغريبة المحيرة دون مبرر؛ لوجدنا الجواب شافيا منطقيا منسجما مع ما تقدم من التحقيق العلمي في الآية الكريمة التالية: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" الأنعام : 95 وبذلك ترجع الأسباب كلها إلى الخالق الأول وتعرف المجاهيل, ويحسم الأمر.

ولكي نزيد الأمر وضوحا , نضرب لذلك مثلا. محرك السيارة, فإن تحرك أجزاء المحرك, واحتراق البنزين, والقوة الدافعة في محصول الانفجار, كل تلك الخصائص قابليات وطبائع, فهل تجد أن القابلية غير ذات الشيء, وأنها إن كانت سببا في اندفاع الظواهر, وبروز المظاهر, فهو في حدود التركيب والتصنيف, لا في حدود الخلق والإبداع, وهي في المراحل الأخيرة, لا في المرحلة الأولى من خلق الوجود, ولذلك إذا أراد الطبيعي الخروج من هذا المأزق, وأقر معنا من أن هذه الطبائع أسباب فرعية في مجال التكاثر والتنويع, ولا تعدو في حقيقتها نوعية تساند الأسباب التي تكلمنا عنها في مبدأ السببية. قلنا له: رجعت إذن إلى الأصل الذي بحثنا عنه من قبل وأثبتناه, ولم تستطع أن تجد ضمن الكائنات من طبائعها ما يصح أن يكون سببا لإخراج الوجود من العدم. وإذا أردت أن تعرف العلة النفسية في تكوين هذا الإله الزائف الطبيعة لدى بعض الناس, وجدتها في السلسلة التالية.

عاين الإنسان صفة الشيء, فأضاف الصفات بعضها إلى بعض, وكون من مجموع الصفات مفهوما, وسمى المفهوم قابلية أو طبيعة, ومالت النفس إلى الراحة والاختصار فجعلت من تلك الطبيعة في خيالها ذاتا مستقلة فعالة, وأسلم لها خاضعا, من بعد أن صنعه بيده كما يفعل عابد الوثن, يصنعها ثم يتخيل أن له النفع والضر, ثم يعبده.

وما أشد التشابه بين من كان يعبد الأصنام من قبل ويجادل عنها, ومن يعبد الطبيعة اليوم ويجادل عنها, فالعلة النفسية واحدة, ونوعية الخطأ واحدة, ألا وهي الاصطناع في أول الأمر, وتوهم الاستقلال والتأثير في آخره, وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الخدعة في آيات كريمة منها:
"مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" يوسف : 40
"قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ" الأعراف : 70-71
فانظر من أي ناحية ضل البشر من قبل, ومن أي ناحية يضلون اليوم, والقضية ليست إلا أسماء يسمونها في البداية, ثم يجادلون كحقيقة واقعة في النهاية.

وخلاصة القول في الطبيعة: أنها إما قول بأن الأشياء حدثت بذاتها؛ وهو قول ساقط من كل اعتبار.
وإما قول بأن الصفات تختلق الذات, وهو أشد تداعيا وسقوطا من القول الأول؛ لأنه إذا عجزت ذات الشيء عن خلقه, فكيف تستطيعه الصفات؟ وإما اعتبار للقابلية على أنها سبب متأخر كبقية الأسباب, فتفتقر إلى السبب الأول وهو الذي نقول به.
إذن ففي الأحوال الثلاثة لا بد من الرجوع إلى الخالق الأول, وتأتي الطبيعة متأخرة منفعلة له مفتقرة إليه.
وهكذا تجد أن الطبيعة – إله العصر المزعوم – لم تثبت أمام النقد المنطقي والشرح العلمي, وليست بالنسبة للموجودات سوى صفاتها وقابليتها وقوانينها التي تجري عليها, وأن طبائع الأشياء لا تخلقها.

3 – التوحيد
إذا كان سراب الطبيعة قد تبدد أمام ناظريك, وأصبح أفق معرفة الخالق الأول واضحا لديك, أمكنك أن تستكمل معرفتك هذه بالتعرف إلى صفاته عز وجل, التي يلزمك بها البحث, مستندا إلى الحقائق المتقدمة, وصفاته التي تستنتج من ذلك فنقول:

هو الأول: ليس قبله شيء, لأن القول بشيء قبله يجعل له حدودا, والحدود من صفات الحوادث, وقد فندنا ذلك من قبل.

وهو الآخر: وليس بعده شيء للمحذور نفسه, فهو إذن الأزلي الأبدي.

وهو الحي: الحياة المطلقة, لأنه الواهب الحياة للأحياء, ولا يصح إلا أن تكو مطلقة, لأن النسبية من صفات الحوادث.

وهو السميع العليم البصير القدير: لأن هذه الصفات لوازم صفة الحياة, ولما كان الإطلاق صفة لحياته, كان الإطلاق ملازما لجميع الصفات الأخرى, بحيث لا يعجز السمع أو البصر أو العلم أو القدرة معجز.

وهو الواحد : الذي لا شريك له في الملك, ولما لهذه الصفة من أهمية عظيمة, وخطورة بالغة, نخصها بالتفصيل التالي:
لعلك أدركت من تسلسل البحث, ومن ذكر الصفات المتقدمة, ومن الجزم بكمال الله المطلق, أن التوحيد حاصل ولا يحتاج إلى برهان, بل إن التعدد هو الذي يفتقر إلى الدليل, ولكننا على الرغم من ذلك, نعرض بالتثنية, فإن ثبتت التثنية, صح التعدد من غير حصر, وإن بطلت بطل التعدد أصلا, ولزم التوحيد.
فالقول بالتثنية يلزم بوجود صفة مميزة بين الاثنين؛ لأن التساوي التام من جميع الوجوه باطل, ولا يصح بالتصور إلا إذا انطبق الأول على الثاني تمام الانطباق, فيبقى في النتيجة كائن واحد, ولما انعدمت الصفة المميزة انعدم التمييز, فإن قال مكابر: بإمكان التمييز بين اثنين حال التساوي التام, قلنا له: أقمت الحجة على نفسك حينما ميزت, وما ميزت إلا بإدراك صفة مميزة, ووجود صفة مميزة يبطل التساوي التام, ,إذا بطل التساوي التام, حصل التفاضل بين الاثنين فسقط المفضول وبقي واحد.

والقول بالتثنية, من الوجهة الرياضية يفيد وجود إطلاقين, وذلك محال, لأن وجود أحدهما ينافي إطلاق الآخر, فهو إما أن يدخل في إطلاق الأول, فلا يبقى إلا الأول, وإما أن يخرج عن نطاق الأول, فيسقط إطلاق الأول المفترض, ويبقى الثاني, أي أن الإطلاق محيط, ولا يحاط به, والنتيجة, أنه لم يبق إلا إطلاق واحد.

وهذا كما أنه دليل على التوحيد, فهو دليل على حدوث العالم ونفي قدمه, لأن القول بقدمه يفيد وجود إطلاقين, وذلك محال كما رأيت, ومن هنا نفهم المعنى العميق للآية الكريمة: "ألا له الخلق والأمر". أي أنه ليس تصريف الكون وحده حادثا فحسب, بل الكون كله: خلقا, وتصريفا مقهوراً للخالق, فهو حادث بمادته ومعناه.
وإذا أردنا أن نجلي معنى هذا البرهان بالنسبة للتوحيد والتعدد, قلنا: حين وجود اثنين يترتب على أحدهما أن يحيط بالثاني قدرة وعلما؛ فإن عجز عن ذلك, فهو ليس بإله, وبقي واحد, وإن قدر على ذلك, سقطت ألوهية الثاني وبقي واحد وبعض الفلاسفة يسمى هذا بـ: برهان التمانع, فيقولون: لو كان هناك إلهان, يريد أحدهما قيام زيد في آن, ويريد الآخر قعوده في ذلك الآن, فمحال نفوذ الإراديتين, لاستحالة المراد, وجمع الأضداد, فإن غلبت إرادة أحدهما على الآخر, فهذا الآخر عاجز مقهور, فهو ليس بإله, وبقي واحد.

وقد أورد عن ذلك ابن جرير الطبري, قال: لم يخل كل واحد من الاثنين من أن يكونا: قويين, أو عاجزين. فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور, وغير كائن إلها, وإن كانا قويين, فإن كل واحد منهما يعجزه عن صاحبه عاجز, والعاجز لا يكون إلها. فإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه, فهو بقوة صاحبه عليه عاجز.
إذن لم يبق إلا الواحد المطلق الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وما قال ومن قال بالتعدد إلا عن عقلية ابتدائية, وفكرة وثنية, وتصور خيالي مصطنع, بعيد عن التحقيق, مصادم للعقل.

ولم يبق في الدنيا من يلتزم العقل والمنطق يقول بالتعدد. بل إن التحقيق لا يرشد إلا إلى التوحيد, بريئا من صفات الحوادث, كالإلصاق والتفريع والولادة, فكما أن التعدد باطل, فطرقه من بعد أشد بطلانا وأقبح , وهكذا ينهار التعدد بجميع صوره كالتثنية والتثليث وغيرهما, على الرغم من إقامة كثير من البشر اليوم على هذه العقيدة الفاسدة بكل أسف, ولو رجعوا قليلا إلى العقل والمنطق لانهدمت أمامهم هياكل الوثنية وأساطير التعدد لقوة البرهان, وصراحة الحجة, وثورة العقل على هذا التناقض المشين, فليت شعري, متى يثور مفكروا العالم الأحرار وعقلاؤه المتجردون على هذه الوثنية النكراء, فيمزقوا غشاء العنكبوت, ويقودوا العالم إلى التوحيد؟!

والقرآن الكريم هو الذي حمل لواء التوحيد للناس, ونص على ما تقدم من تفنيد التعدد وبطلانه, وتأكيد التوحيد وثبوته, في آيات كثيرة حملت أنصع بيان وأقوى برهان, منها:
"لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" الأنبياء : 22
"مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" المؤمنون : 91.
"هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الحديد : 3
"أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ" فصلت : 54
"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" الإخلاص : 1-4
وهكذا تثبت حقيقة التوحيد للخالق القديم بما لا يدع مجالا للريب والتردد. والأحرى بالعالم المحقق, أن يدعوا الناس إلى ذلك, ويفند لديهم نحلة التعدد, ويفضح زيفها وبطلانها, لكي يخرجوا من الظلمات إلى النور, ومن التناقض المشين إلى الانسجام المنطقي المبين, وبذلك تخرج النفس البشرية مما تعانيه من الحيرة والتردد, والكبت والقلق, والجنوح بالنتيجة إلى السبل الشاذة, والمناهج السخيفة, المضحكة المبكية, والتي يثبت التحليل النفسي أنها ليست إلا صورة حسية تعبر عن إفلاس البشر في التماس طريق الحق.

4- عود على بدء
واستكمالا لكل جوانب الإقناع في هذه المسألة مسألة الطبيعة, والسببية, والتوحيد ننقل هذه الرسالة الجيدة لبديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله, قال: "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" إبراهيم : 10. تأمل في هذه الآية وما فيها من الاستفهام الإنكاري, إنها تدل على أن الحكم بوجود الله ووحدانيته, من أوضح البداية لكل من أبصر بعينه مرة هذه السماوات والأرض, غير أنه بالرغم من ذلك, فإن فيما يلفظ به بعض المسلمين اليوم كلمات, أقل ما فيها أنها تومئ إلى الكفر بهذه الحقيقة الكبرى.

وسأتناول منها بالبحث ثلاث كلمات لا يرددها في الغالب إلا أحمق ذاهل عن حقائق الأمور, وملحد جعل من برذعة إلحاده حلة يفاخر بها ويتباهى بها: إحداها أوجدته الأسباب والثانية تشكل بنفسه, والثالثة اقتضته الطبيعة.

إن محالات كثيرة تنبع من الأخذ بمبدأ هذه الكلمات الثلاثة القذرة, ولو ذهبت أعدها بتفصيل علي موسع؛ لتجاوزت تسعين محالا من المحالات التي لا يشك فيها علم عالم ولا عقل عاقل, ولكي سأكتفي من بيان ذلك كله بالعشر فقط أذكره في عبارات موجزة سريعة.
أما الكلمة الأولى أوجدته الأسباب: فهناك بعض محالاتها:

المحال الأول: الناتج عن كلمة أوجدته الأسباب يظهر جليا في هذا المثال وقع احتياج إلى معجون مستحضر من بضعة عقاقير وحشائش مختلفة الأنواع والمقادير, وقام الصيدلي بتحضير هذا المعجون طبق موازين دقيقة, بحيث لو أن بعض الأجزاء طغى على الحد المطلوب أو قل عنه, لأدى ذلك إلى عكس الفائدة المرجوة منه.
فلو أن زلزالا مثلا وقع بين تلك القوارير التي استحضر منها الدواء, فتكسرت وسال ما فيها, وجرى بعضه إلى بعض, فاختلطت الأجزاء المتنوعة, وتلاقت إلى بعضها, فهل يمكن أن يكون المحصول المركب من ذلك الخليط مساويا لذلك الخليط الذي استحضره الصيدلي بميزانه الدقيق وخبرته العلمية وحسابه المنظم؟ وهل يقبل مثل هذه الدعوى سوى من فاتته نعمة التفكير والعقل؟!

إن كل ذي حياة على هذه الأرض ما هو إلا معجون رائع, ركب من ملايين الأجزاء العجيبة المختلفة, أخذت بمقدار وضمت إلى بعضها بحكمة ونظام. فلا ريب أن إسناد هذا الشكل إلى عمل الأسباب المادية الجامدة والعناصر الميتة الصامتة, أشنع وأقبح من الإسناد في ذلك المعجون الذي حصل من تصادم القوارير وسيلان ما فيها.

المحال الثاني: إن إسناد خلق الأشياء إلى أسبابها المادية, يستلزم أن يكون للكثير من العناصر والأسباب الدقيقة المتناقضة تأثير مباشر في وجود الأشياء. والحال أن تلاقي الأسباب المختلفة المتباينة على بعضها باتفاق من جهة, ودقة موزونة من جهة أخرى. في خلق البعوض مثلا إن لم يكن من أجلى المحالات, فهو من أشد الممتنعات؛ لأن جسم ذلك البعوض مع صغره ذو علاقة بأكثر العناصر والأسباب المادية المبثوثة في الكون, بل إنه بحق خلاصة وزبدة لها, فلو سلمنا ادعاء استناد هذا الموجود الصغير إلى تلك الأسباب؛ للزم أن تحتشد جميع العناصر والأسباب كلها بالذات عند إيجادها, بل يجب توافرها كاملة في جسمها, بل في حجيرة من حجيرات جسمها ولأن السبب المادي ينبغي أن يكون موجودا مع المسبب داخلا فيه, أي فينبغي أن تكون هذه العناصر المادية المتناقضة كلها مجتمعة على الدوام, تعمل عملها في كل حجيرة من حجيرات جسم البعوض, دون من يدفعها إلى هذا التلاقي والتفاعل.
وهل هذا إلا وهم يستحي بلهاء السفسطائيين من الهذيان به.

المحال الثالث: إن القاعدة البديهية تقول: إن الواحد لا يصدر إلا عن الواحد, أي كل ما يتصف بوحدة النظام والتنسيق والانسجام في مظهره وشكله, فلا بد أن يكون المؤثر فيه واحدا, ضرورة أن التأليف بين المتنافرات, والجمع بين المختلفات في وحدة نوعية أو جنسية, لا يمكن أن يتم إذا ما اجتمعت عليه أكثر من إرادة ويد واحدة, ولا ريب أن هذا العالم العظيم تجمعه كله وحدة الانسجام والتنظيم, فإسناد وجوده بعد ذلك إلى الأسباب الجامدة المختلطة, التي لا شعور لها ولا عقل, من أعظم الخرافات المضحكة. هذا إلى أن الأسباب المادية لا يمكن تأثيرها إلا بواسطة التماس والمباشرة, وغير خاف أن تجانسها إنما يكون بسطح الموجودات وظاهرها, مع أن في بواطنها ووراء حدود المحس منها من الانتظام والغرابة والانسجام ما ليس في ظواهرها, فأين أسبابها المادية الموجدة لها؟ بل أين من يستطيع أن يفرق في غوص ذلك الباطن, بين السبب المؤثر والسبب المتأثر, يفصلهما, ويفرق بينهما في الزمن والجوهر والحدود؟

أما الكلمة الثانية تشكل بنفسه: فهي أيضا تنطوي على محالات لا تعمى عنها الأبصار. غير أن الفكر المعاند من شأنه أن يبلغ به الكبر مبلغا يلبسه برذعة الحمق. إن الإنسان العادي من شأنه أن لا يخضع لمحال واحد يتراءى لعقله, ولكن مثل هؤلاء المعاندين لا يبالي أن يدافع عن حشد من المحالات, النابعة عن الباطل الذي أقسم أن لا يتخلى عنه. إنك أيها الإنسان لست مادة بسيطة جامدة ملقاة على سطح هذا الوجود, إنما أنت جهاز معمل دقيق كبير. بلغ في دقته غاية الروعة والانسجام. إن في جسمك ذرات عاملة ساعية على الدوام. إن لجسمك تفاعلا في غاية الانتظام مع سائر مظاهر الوجود من حولك, إنها أشبه ما يكون بتفاعل على البيع والشراء والأخذ والعطاء. إن ملايين الذرات العاملة في جسدك تظل ساهرة على حفظ سير هذا التفاعل ودقة انتظامه, وهكذا نعلم أن الانسجام ليس بين ذرات جسمك وحده, بل بين مجموع هذه الذرات والوجود الخارجي من حولها, إن هذا يعني أن ثمة وحدة انتظام سارية بأتم دقة بين وجودك العضوي ووجود سائر الكائنات من حولك!

فإذا رفضت أن توقن بأن الذرات الساعية في جسدك, إنما تتحرك فيه طبق قانون الخالق الأزلي العظيم, لزمك أن تقول إن للذرات التي تتفاعل في حجيرة واحدة من حجيرات عينك مثلا عقلا متفلسفا هائلا, وضع به قانون الانسجام والتطابق بين كل ذرة من جسدك من جهة, وذرة من ذرات الوجود من حولك من جهة أخرى, سواء كان ذلك الوجود هواء أو ضياء أو طعاما أو شرابا أو أي شيء آخر, كما ينبغي أن يكون لكل ذرة من هذه الذرات فكر, يدرك منابر دهرك, وعناصر آبائك وأجدادك, ويتصور ماضيك ومستقبلك. يا لخرافة العناد المتكبر!!
أما إذا كان جوابك عن عالم الذرة ونظامها نفس جوابك عن عالمك الحسي هذا. أي أن له أيضا أسبابه المادية وتفاعله الذاتي, فإن السؤال سيلاحقك عن العالم الثالث الذي من ورائهما, والذي هو أدق من كليهما, وهكذا تتسلسل العوامل والأسباب إلى غير نهاية وتمتد إلى حيث يضل وراءها عناد المعاندين وجحود المتكبرين.

أما الكلمة الثالثة اقتضته الطبيعة: فيتفرع عنها سلسلة من مظاهر التفاوت المضحك, نجمل بعضها فيما يلي:
1-إن صاحب هذا القول ينبغي أن يلتزم أن كل ذرة من ذرات الوجود تنطوي على مجموعة العوامل والمؤثرات التي أبدعت هذه المجموعة الكونية, وأنها تشتمل على القدرة والطاقية الكافية لإبداع عالم كامل كالذي نراه من حولنا, وما على هذه القدرة إلا أن تنفذ ذلك وتعمل عملها.

2- إذ ما دام في كل ذرة من ذرات هذا الوجود طبيعتها الخلاقة, المدبرة الحكيمة, منفصلة عن غيرها, غير مرتبطة بقيادة عامة لها ولأمثالها, فلا مناص من التزام هذه النظرية. تماما كالذي يرى شعاع الشمس يسطع من قطرات المياه, وقطع الزجاج والأجرام الشفافة, ويأبى إلا أن يزعم أن في كل جرم من هذه الأجرام طبيعته الشعاعية المستقلة بذاتها, فلا ريب أنه ينبغي أن يلتزم ويعترف بوجود شمس حقيقية مستقلة ضمن كل جرم من هذه الأجرام المضيئة كل على حدة.

ومن أراد أن يضحك من خرافة هذه النتيجة؛ فليضحك قبل ذلك من خرافة المقدمة التي راح يزعمها ويتبناها.
3- إن على صاحب هذا القول أن يلتزم بأن شبرا واحدا من أي أرض معينة, تنطوي على ما لا تنطوي عليه دول العالم كله من المصانع والمطابع والمواد الأولية المختلفة؛ ذلك أن قدحا واحدا من التراب الذي لا تزيد مساحته على شبر, يمكن أن تستنبت فيه معظم أنواع النباتات وأزهار العالم, على سبيل التناوب. فلو لم تكن قدرة الخالق العظيم هي التي تقذف في تلك الأرض قدرة التفاعل, مع ما تستقبله من مختلف النباتات والبذور, لتعطي كلا منها ذاته وشكله وخصائصه, إذا لكان لا بد أن توجد في تلك التربة عناصر وقابليات متناقضة, بل ينبغي كما قلت أن تكون طاقة الصناعات الأوروبية كلها محشورة في ذلك الشبر من الأرض, إذ من المعلوم أن مواد النطف والبذور واحدة لا تختلف, وهي عبارة عن مزيج: مولد الماء, ومولد الحموضة, والكربون, والآزوت, ومواد الماء, والهواء والحرارة والضياء, هي الأخرى بسيطة لا تختلف في جريانها حول نبت وآخر.
ومع ذلك؛ فإن هذه النباتات تنبثق فوق ذلك الشبر من الأرض, كل واحد يحمل صفاتها وخصائصها ولونها ورائحتها, فلا بد أن يوجد في ذلك التراب شيء آخر غير المواد المعروفة للتراب والبذر والهواء, يمد هذه البذور بخصائص التشكل والتميز. فانظر وتأمل في مدى بعد هذا الكلام من الفكر والعقل!!

4- أذكر هنا مثالا كنت كتبته في بعض الرسائل الأخرى, يوضح حالة المنتسبين إلى الطبيعة. لنفرض أن في قلب بعض الصحاري بناء رائعا, مشيدا على أحسن طراز وأدق هندسة. وصادف أن دخل هذا الصرح بدوي متوحش, لم يسبق أن رأى في حياته غير صروح الخيام, فتأمل في براعته ونقوشه ومظاهر إتقانه, ثم حدث نفسه أن ليس في هذه الصحراء كلها من يقدر أن يبدع مثل هذا الإبداع, فلا بد أن الباني يجثم في جوف البناء نفسه. ثم راح ينظر ويفتش عنه في الغرف من حوله, فلم ير أحدا, ولكنه عثر على أوراق فيها: خارطة البناء, ومواده, وتفاصيل هندسته, ففكر قليلا أن هذه الأوراق لا يد لها ولا بصر, فليس من شأنها أن تشيد بناء. ولكنه ما لبث أن عاد فتعلق بها قائلا: ولكن هاهي ذي تبحث عن قوانين تشييده وكيفية تأليفه, إذا فليس ثمة غيرها المشيد والباني. فكذلك يدخل بدوي متوحش لم يهضم عقله إلا اسم الطبيعة إلى صرح هذا الكون العظيم, فيدهشه أنه يرى إبداعا لا يجد من حوله بسبب عقله القاصر من أبدعه، ويتأمل في ثناياه وأطرافه, فيعثر على اللوح الذي سجلت فيه قوانين الفطرة الإلهية وقواعد صنعته الإبداعية المسماة خطأ بالطبيعة فينبهر لها, ويحدث نفسه وهو في غيبوبة عقلية تامة أن لا بد أن هذا اللوح بقوانينه هو الذي أبدع هذا الإبداع, وصنع هذا الصنع.
ونحن نقول: أيها السكران الأحمق, ارفع رأسك عن بئر الطبيعة, وانظر وراءك إلى صانع الكون. إن ذلك الذي بنى هذا الصرح, ووضع أمام عينيك في جنباته, قانون تشييده, ودستور إيجاده, إنما هو الخلاق الأزلي إله العالمين جل جلاله, لا الطبيعة التي أنت أجحد منها وأجهل.
إن الطبيعة صنعة لا صانع, نقش لا ناقش, حكم لا حاكم, شريعة لا شارع, مخلوق لا خالق, منفعل لا فاعل, مصدرة لا مصدر. انتهى كلام الشيخ سعيد النورسي رحمه الله تعالى.


فالأدلة على وجود الله تعالى وربوبيته كثيرة:

منها: 1ـ دليل الفطرة، فإن العباد مفطورون على معرفة الله تعالى، ولهذا قال سبحانه: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً { إبراهيم:10}.

قال شيخ الإسلام: فدل ذلك على أنه ليس في الله شك عند الخلق المخاطبين، وهذا يبين أنهم مفطورون على الإقرار.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. رواه البخاري ومسلم

والفطرة هي الإسلام، ويدل على ذلك رواية مسلم: ما من مولود يولد إلا وهو على الملة.

وله أيضا: إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه.

ويدل عليه أيضا، قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ـ رواه مسلم.

2ـ ومنها: ما يسمى ببرهان التمانع، أو دليل التمانع، وحاصله أنه لو وجد خالقان، واختلفا، فأراد أحدهما إيجاد شيء وأراد الآخر إعدامه، فإما أن يقع مرادهما معا، أو ألا يقع مراد واحد منهما، أو أن يقع مراد أحدهما دون الآخر، فالأول والثاني باطلان، لما في الأول من جمع النقيضين، ولما في الثاني من ارتفاعهما، وكلاهما محال، فالنقيضان لا يجتمعان، ولا يرتفعان فلا يكون الشيء موجودا معدوما، في وقت، كما لا يكون لا موجودا ولا معدوما، فبقي الاحتمال الثالث، وهو أن يقع مراد أحدهما فقط، فهذا هو الرب الخالق، والثاني عاجز لا يصلح للربوبية.

3ـ دليل الآيات النفسية والكونية: وقد استدل به موسى ـ عليه السلام ـ في مناقشته لفرعون المنكر للربوبية في الظاهر، قال تعالى: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ* قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ {الشعراء:ـ 23 ـ24}.

وقال أيضا: قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ {الشعراء:28}.

قال شارح الطحاوية: وانتظام أمر العالم كله وإحكام أمره من أدل دليل على أن مدبره إله واحد، وملك واحد، ورب واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه.

وقال أيضا: ويحكى عن أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فتُرسي بنفسها وتتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا، فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟! وتحكى هذه الحكاية أيضا عن غير أبي حنيفة.

4ـ المقاييس العقلية: والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، وقد قال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ { الطور:35}.

وهذا يتضمن برهانا عقليا واضحا مختصرا على إثبات تفرد الله تعالى بالخلق والإيجاد، وتقرير هذا الدليل العقلي كما يلي: أننا نشاهد حدوث السحاب والمطر والشجر والإنسان وغير ذلك، وهذه المحدثات: إما أن تكون وُجدت من عدم، أو أوجدت نفسها، أو أوجدها موجد آخر، والأول باطل، لأن العدم ليس بشيء حتى يوجد غيره، والثاني باطل أيضا، فلو كانت واجبة الوجود بنفسها، لما كانت معدومة أولا، فوجودها بعد العدم دليل على أنها حادثة مخلوقة، وكل إنسان يعلم أنه لا يستطيع خلق نفسه ولا خلق غيره، قال شيخ الإسلام: وهذا من أظهر المعارف الضرورية، فإن الإنسان بعد قوته ووجوده لا يقدر أن يزيد في ذاته عضوا ولا قدرا، فلا يقصر الطويل، ولا يطول القصير، ولا يجعل رأسه أكبر مما هو ولا أصغر، وكذلك أبواه لا يقدران على شيء من ذلك. مجموع الفتاوى: 5ـ 358.

والاحتمال الثالث: أنها وجدت بموجد آخر، وهذا إما أن يكون حادثا مثلها، وهذا الحادث أحدثه حادث آخر، إلى ما لا نهاية، وإما أن يكون واجب الوجود بنفسه، فالأول باطل بالضرورة، لأن الحوادث مهما كثرت لا بد لها من محدث أزلي أول، حتى ينقطع هذا التسلسل، فثبت أن الخالق الموجد لهذا الأشياء هو الله تعالى الواجب الوجود بنفسه.
وأما الكلام الذي نقلته إلينا: ففيه حق وباطل، فالله عز وجل ليس حقيقة مطلقة، فإن الإطلاق لا يكون إلا في الذهن، بل الله عز وجل ذات حقيقية متميزة عن الخلق، موصوفة بالصفات العظيمة، مستو على عرشه، وعرشه فوق جميع مخلوقاته، والإيمان بالله تعالى لا يقف عند إثبات وجوده، بل لا بد من توحيده في عبادته، وإثبات أسمائه وصفاته، وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، فلذا نرجو من الباحث عن أمور التوحيد أن يتدبر القرآن أولا، ويتأمل ما جاء فيه من الحديث عن الله تعالى وعن نعمه وإكرامه للطائعين، وعن جبروته وانتقامه ممن عصاه، وعن الرسالات والرسل، وعن الغيب، وعن الآخرة والجنة والنار، وبالنظر في ربوبيته، وفي وعده ووعيده يحب العبد ربه ويخشاه ويخضع له وتنسجم عقليته وعاطفته وتوجهه القلبي في التعامل مع الله تعالى، ويعبده عبادة موافقة للشرع.





ساهم فى نشر الموضوع ليكون صدقة جارية لك.

رابط الموضوع:



لاضافة الموضوع في مدونتك او المنتدى:

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

إعلان دائم

تنوه إدارة الموقع إلى أن جميع الأراء والأفكار المطروحه لاتمثل رأي أو وجهة نظر إدارة الموقع وإنما تقع مسؤليتها القانونية على كاتبها .
جميع الحقوق محفوظه . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مصدر الأحصائيات جوجل أنت الزائر رقم:

المتواجدون الأن

بإمكانك أن تقلب الكره بالضغط على زرالفأره أو بتحريك عجلة الفأرة للتكبير لترى المتواجيدن كنقاط حمراء