إن الإحسان إلى الوالدين خلق عظيم، بغيره تضطرب الحياة الاجتماعية، وبه يستقيم التفاعل والتواصل. والحوار بين الآباء والأبناء من ضروريات الحياة، ولذا وصانا الله سبحانه بحسن التأدب معهما.
ونموذج الحوار الراقي بين سيدنا إبراهيم وأبيه نموذج يحتذى به، فما كون أبيه يعبد الأصنام– بل يصنعها– بكلمات سيدنا إبراهيم مخاطبا بقوله [يَا أَبَتِ] فهذا الحوار فيه كثير من الآداب والتي تتمثل في:
1- التعظيم لهما وتبجيلهما وإنزالهما منزلتهما الرفيعة العالية.. وقد أمر الله تعالى المسلمين بالقول الحسن في دعوة الناس إلي الإسلام، فكيف إذا كانوا آباء فهم أولى بهذا الإحسان، وانظر إلى نصائح نبي الله إبراهيم وكثرة تصديره هذه النصائح بقوله: ﴿يَاأَبَتِ﴾ مبالغة منه بالتعظيم والاحترام.
2- التأدب معهم غاية الأدب فهما سبب وجودك في هذه الحياة، وبرهما أعظم أمرٍ بعد توحيد الإله، فقد أمرنا في كثير من الآيات بالإحسان إليهما: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: 83]، وأمرنا بمصاحبتهما بالمعروف: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، ويدخل في هذا جملة عظيمة من الآداب معهما، ومنها مخاطبتهما بلطف وأدب وعدم رفع الصوت عليهما أو الرد عليهما بغضب وعبوس وجه وعدم رضا.
3- أن يتجنب الكلمات والعبارات التي قد تجرحهما وتضايقهما، فقد يكون ذلك من العقوق لهما، فالله تعالى نهانا عن أن نقول لهما (أُفٍّ) وهي كلمه بسيطة فقال: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
5- أن يبدأ معهما بالأمور الكبيرة المهمة كالتوحيد ويحرص عليه غاية الحرص، وأن يبين لهما الطريق المستقيم السوي ﴿فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾ [مريم: 43]، وأن يسلك في دعوتهم كل الطرق المناسبة، وأن يتخير الأوقات الملائمة، ويحرص على أن يخلص قلبه ويتوجه إلى الله تعالى بأن يشرح صدورهما.
6- أن يذكر لهما الأدلة العقلية والنقلية على الأمر الذي يأمرهم به أو ينهاهم عنه، فإبراهيم عليه السلام عندما دعا أبيه لترك عبادة الأصنام ذكر له أن هذه الأصنام لا تعقل، ولا تسمع، وأنها لا تملك لنفسها ضرًّا فكيف تدفع عن الآخرين، وحاول إبراهيم أن يعمل عقل أبيه: أليست هذه الأصنام أنت صنعتها ونحتها، فكيف تعبد ما تصنع أنت بيدك وتتخذه إلهًا؟ ثم جاءه بالأدلة التي تدعم قوله وبيَّن له أن هذه الكواكب خلٌق من خلق الله تعالى لا تنفعُ ولا تضرُّ.
7- أن لا يرفع نفسه عليهما أو يقدم ذاته أنه أعلم منهما، وأن لا يتفاخر أمامها أنه أفضل منهما وأنهما أقل منه علمًا أو ذكاء فإبراهيم عليه السلام قال لأبيه: ﴿إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾ [مريم: 43]، فلم يقل له إني أعلم منك وأنت جاهل لا تفقه وإني نبي، بل نسب ذلك لله تعالى.
8- أن يكثر الدعاء لهما والاستغفار لهما في حياتهما وبعد موتهما إن كانا مسلمين، فالدعاء من أقوى الأسلحة وأنفعها إذا استحكم أمر ارفع يديك إلى السماء، واسأل الله تعالى فإنه إن رأى قلبًا صادقًا استجاب له، فهذا إبراهيم عندما دعا أباه وترفق في دعوته، فقال: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: 47].
وهكذا ينبغي على الأبناء والدعاة أن يتأمَّلوا في قصة إبراهيم مع أبية وقومه ففيها من الوسائل التربوية، وبيان كيفية المناقشة والحوار لمن هم على غير الملة الشيء الكثير، فلنحرص عليها ونتعلم منها فالله – عزَّ وجلَّ – لم يكررها في كثير من السور عبثًا أو دون فائدة.
ساهم فى نشر الموضوع ليكون صدقة جارية لك.
رابط الموضوع:
لاضافة الموضوع في مدونتك او المنتدى:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق