هام

بعد إغلاق قناتنا على يوتيوب بسبب تناول الحرب في غزة والتى كانت تحتوى على أكثر من 2 مليون مشترك نؤكد أننا نواصل دعم القضية الفلسطينية حيث يتعرض قطاع غزة لحملة همجية وعسكرية شرسة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وبصورة ترسل عنوانا واضحا لهذه الهجمة أن هذه الهجمة تهدف لتدمير قطاع غزة كليا وتفريغه من سكانه.

منزلة الشورى في التربية النبوية



لقد ربَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه، تعويداً لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، ولم يحدث أن عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم أحداً لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه ومشورته.

يقول الأستاذ سيد قطب في تفسير قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم): (والتعبير يجعل أمرهم كله شورى يصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة، وهو نص مكي كان قبل قيام الدولة الإسلامية فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين، إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.

والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوي إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية، ومن ثم كان طابع الشورى في الجماعة مبكرا وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها، إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية وسمة مميزة للجماعة المختارة لإدارة البشرية، وهى من ألزم صفات الإدارة والجدير بالذكر أن النص القرآني بدأ بذكر القاعدة الأولى في الدين لما لها من مكانة عظمى وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وجاءت الصفة الثانية (وأقاموا الصلاة) ثم أتبع إقامة الصلاة بصفة الشورى قبل أن يذكر الزكاة.

وحول قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران: 159] يقول رحمه الله وبهذا النص الجازم (شاورهم في الأمر) يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم حتى ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم– هو الذي يتولاه وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في أن الشورى مبدأ أساسي لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه).

ثم يقول: (فقد جاء هذا النص عقب نتائج للشورى تبدو في ظاهرها خطيرة مريرة فقد كان من جرائها ظاهريا وقوع خلل في وحدة الصف المسلم اختلفت الآراء فرأت مجموعة أن يبقى المسلمون في المدينة مجتمعين بها حتى إذا هاجمهم العدو قاتلوه على أفواه الأزقة وتحمست مجموعة أخرى فرأت الخروج للقاء المشركين، وكان من جراء هذا الاختلاف ذلك الخلل في وحدة الصف إذ عاد عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الجيش والعدو على الأبواب وهو حدث ضخم وخلل مخيف، كذلك بدا أن الخطة التي نفذت لم تكن في ظاهرها أسلم الخطط من الناحية العسكرية إذ إنها كانت مخالفة (للسوابق) في الدفاع عن المدينة – كما قال عبد الله بن أبي، وقد اتبع المسلمون عكسها في غزوة الأحزاب التالية فبقوا في المدينة وأقاموا الخندق ولم يخرجوا للقاء العدو منتفعين بالدرس الذي تلقوه في أحد.

ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجهل النتائج الخطيرة التي تنتظر الصف المسلم من جراء الخروج، فقد كان لديه الإرهاص من رؤياه الصادقة التي رآها والتي يعرف مدى صدقها وقد تأولها قتيلا من أهل بيته وقتلى من صحابته، تأول المدينة درعا حصينة، وكان من حقه أن يلغى ما استقر عليه الأمر نتيجة الشورى، ولكنه أمضاها وهو يدرك ما وراءها من آلام وخسائر وتضحيات لأن إقرار المبدأ وتعليم الجماعة وتربية الأمة أكبر من الخسائر الوقتية.

ولقد كان من حق الإدارة النبوية أن تنبذ مبدأ الشورى كله بعد المعركة أمام ما أحدثته من انقسام في الصفوف في أحرج الظروف وأمام النتائج المريرة التي انتهت إليها المعركة لكن الإسلام كان ينشئ أمة ويربيها ويعدها لإدارة البشرية وكان الله يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للإدارة الرشيدة أن تربى بالشورى وأن تدرب على حمل التبعة والخسائر لا تهم إذا كانت الحصيلة هي إنشاء الجماعة المدركة المقدرة للتبعة.

واختصار الأخطاء والقدرات والخسائر في حياة الأمة ليس فيه شيء من الكسب لها إذا كانت نتيجته أن تظل هذه الأمة قاصرة كالطفل تحت الوصاية، إنها في هذه الحالة تتقي خسائر مادية وتحقق مكاسب مادية ولكنها تخسر نفسها وتخسر وجودها وتخسر تربيتها وتخسر تدريبها على الحياة الواقعية؛ كالطفل الذي يمنع مزاولة المشي –مثلا– لتوفير العثرات والخبطات أو توفير الحذاء!

ولو كان وجود القيادة الراشدة يمنع الشورى ويمنع تدريب الأمة عليها تدريبا عمليا واقعيا في أخطر الشئون كمعركة أحد التي قد تقرر مصير الأمة الإسلامية نهائيا وهى أمة ناشئة تحيط بها العداوات والأخطار من كل جانب ويحل للإدارة أن تستقل بالأمر وله كل هذه الخطورة، ولو كان وجود الإدارة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشئون لكان وجود محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعه الوحي من الله سبحانه وتعالى كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها في ظل الملابسات الخطيرة لنشأة الأمة المسلمة، ولكن وجود محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه الوحي الإلهي ووقوع تلك الأحداث ووجود تلك الملابسات لم يلغ هذا الحق لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنه لابد من مزاولته في أخطر الشئون ومهما تكن النتائج ومهما تكن الخسائر ومهما يكن انقسام الصف ومهما تكن التضحيات المريرة ومهما تكن المخاطر المحيطة لأن هذه كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة المدربة بالفعل على الحياة المدركة لتبعات الرأي والعمل، الواعية لنتائج الرأي والعمل، ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي في هذا الوقت بالذات، (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)1.

 

1 في ظلال القرآن: سيد قطب




ساهم فى نشر الموضوع ليكون صدقة جارية لك.

رابط الموضوع:



لاضافة الموضوع في مدونتك او المنتدى:

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

إعلان دائم

تنوه إدارة الموقع إلى أن جميع الأراء والأفكار المطروحه لاتمثل رأي أو وجهة نظر إدارة الموقع وإنما تقع مسؤليتها القانونية على كاتبها .
جميع الحقوق محفوظه . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مصدر الأحصائيات جوجل أنت الزائر رقم:

المتواجدون الأن

بإمكانك أن تقلب الكره بالضغط على زرالفأره أو بتحريك عجلة الفأرة للتكبير لترى المتواجيدن كنقاط حمراء