أنا شابة أبلغ من العمر 21 سنة ، أصلي من زمن بعيد ، وأعرف بيني وبين الله ، وأخاف كثيراً أن أقع في الحرام ، قادتني الأقدار إلى التعرف على شاب طيِّب جدّاً ، من أسرة فقيرة ، أحببته كثيراً ؛ لخلقه ؛ وتربيته ، زاد الحوار بيننا إلى أن وصل إلى تبادل القبَل عبر الميكرفون ، ومخافة من الله عز وجل طلبت منه أن يتقدم لخطبتي ، وافق ، ولكن ظروفه المالية لا تسمح ، قررت أن أقول أنا وهو : زوجتُك نفسي على سنَّة الله ، ورسوله ، وقراءة الفاتحة ، ولقد أهداني مهراً ، وهو عبارة عن آية قرآنية من سورة البقرة ، وحفَّظها لي ، حفظتُها عن ظهر قلب ، ومن ذلك اليوم اتخذته زوجاً لي ، حيث وضعت الكاميرا ، وأريته نفسي ، وقد وصلت إلى درجة النوم معه ! عبر الميكرفون ، والموبايل ، لكن مؤخراً أصبحت أحس كأنني أقترف جرماً ، خصوصاً بعد الشك الذي راودني في فقدي لعذريتي ، فقد بكيت طيلة ليلة كاملة ، وبعد ذلك تأكدت أنني مازلت عذراء - ولله الحمد - لكنني أشعر بالذنب ، وأنني خلعت ثوب عفتي ، وأخلاقي . أرجوكم ، أرجوكم ، أريد أن أعرف هل أنا أخطأت ؟ وما الذي أفعله أنا وهو ؟ . جزاكم الله خيراً ، أنا معذبة .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
نقول لك يا أمة الله ، هل أنت جادة أم هازلة في سؤالك ؟!
هل نضحك من سؤالك لنا : ( هل أنا أخطأت ؟) ، أم نبكي مما وصل إليه حال المسلمين ، وبنات المسلمين !!
يا لهوان المعصية عليك ، وعلى صاحبك ، و يا لهوان عرضك وشرفك عليك .
يا أمة الله ، إن الله يغار من فوق سمائه :
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه البخاري (5223) ومسلم (2761) .
يا أمة الله ، إن الله يغضب في عليائه :
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ ... ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ( ... يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا )
رواه البخاري (1044) ومسلم (901) .
يا أمة الله ، أما علمت أنك ، وصاحبك المخادع الماكر ، قد لعبتما بميثاق الله الغليظ وهو عقد النكاح .
قال الله تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء /20-21
قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله ـ التحرير والتنوير (1/918) ـ : " والميثاق الغليظ عقدة النكاح على نية إخلاص النية ودوام الألفة " انتهى .
ثم ها هو الطيب المسكين ، يجعل مهرك آية من آيات الله !!
وهل هذا إلا من اللعب بآيات الله ، والاستخفاف بكتابه ؟!
يا أمة الله : إن مهر البغي خبيث ، فكيف هان عليكما كلام الله ، فتجعلان مهر هذا البغاء آية من آيات الله ؟!
يا أمة الله ، والله لو جعلتما عربون هذه العلاقة الآثمة لحم خنزير ، أو زجاجة خمر ، لكان أهون إثما من ذلك :
روى ابن أبي حاتم بإسناده عن مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: " أرأيت قاتل النفس ، وشارب الخمر ، والسارق ، والزاني : يذكر الله ، وقد قال الله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ؟ قال : إذا ذكر اللهَ هذا ، ذكره اللهُ بلعنته ، حتى يسكت !!" .
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ، في تعليقه على هذا الأثر :
" إسناده صحيح .. ، وهذا الذي قاله ابن عمر حق ، ينطبق تماما على ما يصنع أهل الفسق والمجون في عصرنا ، من ذكر الله سبحانه وتعالى ، في مواطن فسقهم وفجورهم ، وفي الأغاني الداعرة ، والتمثيل الفاجر ، الذي يزعمونه تربية وتعليما ، وفي قصصهم المفترى ، الذي يجعلونه هو الأدب وحده ، أو يكادون ، وفي تلاعبهم بالدين ، بما يسمونه القصائد الدينية ، والابتهالات ، التي يتلاعب بها الجاهلون من القراء ، يتغنون بها في مواطن الخشوع وأوقات التخلي للعبادة ، حتى لبسوا على عامة الناس شعائر الإسلام ؛
فكل أولئك يذكرون الله ، فيذكرهم بلعنته ، حتى يسكتوا !!" انتهى. عمدة التفسير (1/272) .
ثانياً:
الواجب عليكِ فعله الآن دون تردد :
1. التوبة الصادقة لربك سبحانه وتعالى ، والندم على ما فات من أفعالك ، والعزم الأكيد على عدم العوْد لها ، ولا لمثلها . عظمي حرمة الله ، واعرفي قذر الوحل الذي كنت فيه أنت وصاحبك ، وطهري نفسك بتوبة نصوح ، واغسلي عنك قذارة المعصية ، ونجاسة الإثم ، بماء عينك ، واغتنمي أوقات الأسحار ، وتضرعي إلى الله ، بالليل وبالنهار ، لعل الله تعالى أن يمن عليك بالقبول ، ويسترك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
2. أكثري من فعل الطاعات ، وكلما كلت نفسك ، أو ونت ، ذكريها ما على ظهرك من الأعباء والأحمال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) هود/114-115
3. اقطعي الصلة بذلك الذئب الخبيث ،لا تراسليه ولا تحادثيه ولا تشعريه بأنك موجودة ولا تريدين الاتصال به ؛ خشية أن يكون قد التقط لك صوراً أو سجل لك أفلاماً من المحتمل أن يبتزك بها . وغيري رقم هاتفك الجوال ، وإياك إياك أن تخضعي له ، فإن حاول ابتزازك ، وهددك ، فاستعيني بعاقل فظن من أهلك ، يرد كيده عنك ، وإن أنت صدقت مع الله ، فلا عليك ما أصابك .
وأنتِ لم تسألي من أجل مجرد السؤال ، وظننا أنك تريدين تطبيق الحكم الشرعي الذي يلزمك ، فها قد علمتِ أنه يلزمك التوبة ، وقطع العلاقة مع ذلك الذئب البشري ، وما علينا إلا النصح والبلاغ .
ثالثاً:
الذي حصل بينكما لعب لا قيمة له في الشرع ، وليس من الزواج في شيء ، والمرأة لا تزوج نفسها ، بل يزوجها وليها ، وموافقته شرط في عقد النكاح .
ثم أمر الزواج ليس سرا ولا خيانة ، بل هو إعلان ، وبهجة وسرور .
والله الموفق
ساهم فى نشر الموضوع ليكون صدقة جارية لك.
رابط الموضوع:
لاضافة الموضوع في مدونتك او المنتدى:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق